فصل: سنة سبعين وأربعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.سنة سبعين وأربعمائة:

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة ورد مؤيد الملك بن نظام الملك إلى بغداد من العسكر.
وفيها اصطلح تميم بن المعز بن باديس، صاحب إفريقية، مع الناصر بن علناس، وهو من بني حماد، عم جده، وزوجه تميم ابنته بلارة، وسيرها إليه من المهدية في عسكر، وأصحبها من الحلي والجهاز ما لا يحد، وحمل الناصر ثلاثين ألف دينار، فأخذ منها تميم ديناراً واحداً ورد الباقي.
وفيها استعمل تميم ابنه مقلداً على مدينة طرابلس الغرب.
وكان ببغداد، في هذه السنة، فتنة بين أهل سوق المدرسة وسوق الثلاثاء بسبب الاعتقاد، فنهب بعضهم بعضاً، وكان مؤيد الملك بن نظام الملك ببغداد بالدار التي عند المدرسة، فأرسل إلى العميد والشحنة فحضرا ومعهما الجند، فضربوا الناس، فقتل بينهم جماعة وانفصلوا.
وفي هذه السنة، في ربيع الأول، توفي القاضي أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن البيضاوي، الفقيه الشافعي، وكان القاضي أبو الطيب الطبري جده لأمه.
وفيها توفي أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن النقور أبو الحسين البزاز في رجب، وكان مكثراً من الحديث، ثقة في الرواية، وأحمد بن عبد الملك بن علي أبو صالح المؤذن النيسابوري، كان يعظ ويؤذن، وكان كثير الرواية، حافظاً، ومولده سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، وعبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة الأصبهاني أبو القاسم بن أبي عبد الله الحافظ، له تصانيف كثيرة، منها: تاريخ أصبهان، وله طائفة ينتمون إليه في الاعتقاد من أهل أصبهان، يقال لهم العبد رحمانية.
وفي شوال منها توفيت ابنة نظام الملك زوجة عميد الدولة بن جهير، نفساء بولد مات من يومه، ودفنا بدار الخلافة، ولم تجر بذلك عادة لأحد، فعل ذلك إكراماً لأبيها، وجلس الوزير فخر الدولة بن جهير، وابنه عميد الدولة زوجها، للعزاء في دار بباب العامة ثلاثة أيام. ثم دخلت:

.سنة إحدى وسبعين وأربعمائة:

.ذكر عزل ابن جهير من وزارة الخليفة:

في هذه السنة عزل فخر الدولة أبو نصر بن جهير من وزارة الخليفة المقتدي بأمر الله، ووزر بعده أبو شجاع محمد بن الحسين.
وكان السبب في ذلك أن أبا نصر بن القشيري ورد إلى بغداد، على ما تقدم ذكره، وجرى له الفتن مع الحنابلة، لما ذكر مذهب الأشعرية، ونصره، وعاب من سواهم، وفعلت الحنابلة ومن معهم ما ذكرناه، نسب أصحاب نظام الملك ما جرى إلى الوزير فخر الدولة، وإلى الخدم، وكتب أبو الحسن محمد بن علي بن أبي الصقر الواسطي الفقيه الشافعي إلى نظام الملك:
يا نظام الملك قد حل ** ببغداد النظام

وابنك القاطن فيها ** مستهان مستضام

وبها أودى له قت ** لى غلام، وغلام

والذي منهم تبقى ** سالماً فيه سهام

يا قوام الدين لم يب ** قرواش ببغداد مقام

عظم الخطب، وللحر ** ب اتصال، ودوام

فمتى لم تحسم الدا ** ء أياديك الحسام

ويكف القوم في بغ ** داد قتل، وانتقام

فعلى مدرسة في ** ها، ومن فيها السلام

واعتصام بحريم ** لك، من بعد، حرام

فلما سمع نظام الملك ما جرى من الفتن، وقصد مدرسته، والقتل بجوارها، مع أن ابنه مؤيد الملك فيها، عظم عليه، فأعاد كوهرائين إلى شحنكية العراق، وحمله رسالة إلى الخليفة المقتدي بأمر الله تتضمن الشكوى من بني جهير، وسأل عزل فخر الدولة من الوزارة، وأمر كوهرائين بأخذ أصحاب بني جهير، وإيصال بني جهير، وإيصال المكروه إليهم وإلى حواشيهم.
فسمع بنو جهير الخبر، فسار عميد الدولة إلى المعسكر يريد نظام الملك ليستعطفه، وتجنب الطريق، وسلك الجبال خوفاً أن يلقاه كوهرائين ويناله فيها أذى، فلما وصل كوهرائين إلى بغداد اجتمع بالخليفة وأبلغه رسالة نظام الملك، فأمر فخر الدولة بلزوم منزله.
ووصل عميد الدولة إلى المعسكر السلطاني، ولم يزل يستصلح نظام الملك حتى عاد إلى ما ألفه منه، وزوجه بابنة بنت له، وعاد إلى بغداد في العشرين من جمادى الأولى، فلم يرد الخليفة أباه إلى وزارته، وأمرهما بملازمة منازلهما، واستوزر أبا شجاع محمد بن الحسين.
ثم إن نظام الملك الملك راسل الخليفة في إعادة بني جهير إلى الوزارة، وشفع في ذلك، فأعيد عميد الدولة إلى الوزارة، وأذن لأبيه فخر الدولة في فتح بابه، وكان ذلك في صفر سنة اثنتين وسبعين.

.ذكر استيلاء تتش على دمشق:

في هذه السنة ملك تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان دمشق.
وسبب ذلك أن أخاه السلطان ملكشاه أقطعه الشام، وما يفتحه في تلك النواحي، سنة سبعين وأربعمائة، فأتى حلب وحصرها، ولحق أهلها مجاعة شديدة، وكان معه جمع كثير من التركمان، فأنفذ إليه أقسيس، صاحب دمشق، يستنجده، ويعرفه أن عساكر مصر قد حصرته بدمشق.
وكان أمير الجيوش بدر قد سير عسكراً من مصر، ومقدمهم قائد يعرف بنصر الدولة، فحصر دمشق، فأرسل أقسيس إلى تاج الدولة تتش يستنصره، فسار إلى نصرة أقسيس، فلما سمع المصريون بقربه أجفلوا من بين يديه شبه المنهزمين، وخرج أقسيس إليه يلتقيه عند سور البلد، فاغتاظ منه تتش حيث لم يبعد في تلقيه، وعاتبه على ذلك، فاعتذر بأمور لم يقبلها تتش، فقبض عليه في الحال، وقتله من ساعته، وملك البلد، وأحسن السيرة في أهله، وعدل فيهم.
قد ذكر ابن الهمذاني وغيره من العراقيين أن ملك تتش دمشق كان هذه السنة، وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر الدمشقي في كتاب تاريخ دمشق إياها كان سنة اثنتين وسبعين.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة ولد الملك بركيارق ابن السلطان ملكشاه.
وفيها، في المحرم، وصل سعد الدولة كوهرائين إلى بغداد، وضرب الطبل على باب داره، أوقات الصلوات، وكان قد طلب ذلك من قبل، فلم يجب إليه لأنه لم تجر به عادة.
وفيها توفي سيف الدولة أبو النجم بدر بن ورام الكردي، الجاواني، في شهر ربيع الأول، ودفن بطسفونج.
وفي رجب توفي أبو علي بن البنا المقري الحنبلي، وله مصنفات كثيرة، وسليم الجوري بناحية جور من دجيل، وكان زاهداً، يعمل، ويأكل من كسبه، ولم يكلف أحداً حاجاً، وأقام بطنزة من ديار بكر، وهي كثيرة الفواكه، فلم يأكل بها فاكهة البتة. ثم دخلت:

.سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة:

.ذكر فتوح إبراهيم صاحب غزنة في بلاد الهند:

في هذه السنة غزا الملك إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين بلاد الهند، فحصر قلعة أجود، وهي على مائة وعشرين فرسخاً من لهاوور، وهي قلعة حصينة، في غاية الحصانة، كبيرة، تحوي عشرة آلاف رجل من المقاتلة، فقاتلوه، وصبروا تحت الحصر، وزحف إليهم غير مرة، فرأوا من شدة حربه ما ملأ قلوبهم خوفاً ورعباً، فسلموا القلعة إليه في الحادي والعشرين من صفر هذه السنة.
وكان في نواحي الهند قلعة يقال لها قلعة روبال، على رأس جبل شاهق، وتحتها غياض أشبة، وخلفها البحر، وليس عليها قتال إلا من مكان ضيق، وهو مملوء بالفيلة المقاتلة، وبها من رجال الحرب ألوف كثيرة، فتابع عليهم الوقائع، وألح عليهم بالقتال بجميع أنواع الحرب، وملك القلعة، واستنزلهم منها.
وفي موضع يقال له دره نوره أقوام من أولاد الخراسانيين الذين جعل أجدادهم فيها أفراسياب التركي من قديم الزمان، ولم يتعرض إليهم أحد من الملوك، فسار إليهم إبراهيم، ودعاهم إلى الإسلام أولاً، فامتنعوا من إجابته، وقاتلوه، فظفر بهم، وأكثر القتل فيهم، وتفرق من سلم في البلاد، وسبى واسترق من النسوان والصبيان مائة ألف. وفي هذه القلعة حوض للماء يكون قطره نحو نصف فرسخ لا يدرك قعره، يشرب منه أهل القلعة ما عندهم من دابة، ولا يظهر فيه نقص.
وفي بلاد الهند موضع يقال له وره، وهو بر بين خليجين، فقصده الملك إبراهيم، فوصل إليه في جمادى الأولى، وفي طريقه عقبات كثيرة، وفيها أشجار ملتفة، فأقام هناك ثلاثة أشهر ولقي الناس من الشتاء شدة، ولم يفارق الغزوة حتى أنزل الله نصره على أوليائه، وذله على أعدائه، وعاد إلى غزنة سالماً مظفراً.
هذه الغزوات لم أعرف تاريخها، وأما الأولى فكانت هذه السنة، فلهذا أوردتها متتابعة في هذه السنة.

.ذكر ملك شرف الدولة مسلم مدينة حلب:

في هذه السنة ملك شرف الدولة مسلم بن قريش العقيلي، صاحب الموصل، مدينة حلب.
وسبب ذلك أن تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان حصرها مرة بعد أخرى، فاشتد الحصار بأهلها، وكان شرف الدولة يواصلهم بالغلات وغيرها.
ثم إن تتش حصرها هذه السنة، وأقام عليها أياماً ورحل عنها وملك بزاعة والبيرة، وأحرق ربض عزاز، وعاد إلى دمشق.
فلما رحل عنها تاج الدولة استدعى أهلها شرف الدولة ليسلموها إليه، فلما قاربها امتنعوا من ذلك، وكان مقدمهم يعرف بابن الحتيتي العباسي، فاتفق أن ولده خرج يتصيد بضيعة له، فأسره أحد التركمان، وهو صاحب حصن بنواحي حلب، وأرسله إلى شرف الدولة، فقرر معه أن يسلم البلد إليه إذا أطلقه، فأجاب إلى ذلك، فأطلقه، فعاد إلى حلب، واجتمع بأبيه، وعرفه ما استقر، فأذعن إلى تسليم البلد، ونادى بشعار شرف الدولة، وسلم البلد إليه، فدخله سنة ثلاث وسبعين، وحصر القلعة، واستنزل منها سابقاً ووثاباً ابني محمود بن مرداس، فلما ملك البلد أرسل ولده، وهو ابن عمة السلطان، إلى السلطان يخبره بملك البلد، وأنفذ معه شهادة فيها خطوط المعدلين بحلب بضمانها، وسأل أن يقرر عليه الضمان، فأجابه السلطان إلى ما طلب، وأقطع ابن عمته مدينة بالس.

.ذكر مسير ملكشاه إلى كرمان:

في أول هذه السنة سار السلطان ملكشاه إلى بلاد كرمان، فلما سمع صاحبها سلطانشاه بن قاورت بك، وهو ابن عم السلطان، بوصوله إليه خرج إلى طريقه ولقيه وحمل له الهدايا الكثيرة، وخدمه، وبالغ في الخدمة، فأقره السلطان على البلاد، وأحسن إليه، وعاد عنه في المحرم سنة ثلاث وسبعين إلى أصبهان.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة ولد للخليفة المقتدي بأمر الله أمير المؤمنين ولد سماه موسى، وكناه أبا جعفر، وزينت بغداد سبعة أيام.
وفيها وصل السلطان ملكشاه إلى خوزستان متصيداً، فوصل معه خمارتكين وكوهرائين وكانا يسعيان في قتل ابن علان اليهودي، ضامن البصرة، وكان ملتجئاً إلى نظام الملك، وكان بين نظام الملك وبين خمارتكين الشرابي وكوهرائين عداوة، فسعيا باليهودي لذلك، فأمر السلطان بتغريقه فغرق، وانقطع نظام الملك عن الركوب ثلاثة أيام، وأغلق بابه، ثم أشير عليه بالركوب فركب، وعمل للسلطان دعوة عظيمة قدم له فيها أشياء كثيرة، وعاتبه على فعله، فاعتذر إليه.
وكان أمر اليهودي قد عظم إلى حد أن زوجته توفيت، فمشى خلف جنازتها كل من في البصرة، إلا القاضي، وكان له نعمة عظيمة، وأموال كثيرة، فأخذ السلطان منه مائة ألف دينار، وضمن خمارتكين البصرة كل سنة بمائة ألف دينار ومائة فرس.
وفيها زادت الفرات تسع أذرع، فخربت بعض دواليب هيت، وخربت فوهة نهر عيسى، وزادت تامراً نيفاً وثلاثين ذراعاً، وعلا على قنطرتي طراستان وخانقين الكسرويتين فقطعهما.
وفيها، في ذي الحجة، توفي نصر بن مروان، صاحب ديار بكر، وملك بعده ابنه منصور، ودبر دولته ابن الأنباري.
وفيها توفي أبو منصور محمد بن عبد العزيز العكبري، ومولده سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وهو من المحدثين المعروفين، وكان صدوقاً، ومحمد بن هبة الله بن الحسن بن منصور أبو بكر بن أبي القاسم الطبري اللالكائي وولد سنة تسع وأربعمائة، وحدث عن هلال الحفار وغيره، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها توفي أبو الفتيان محمد بن سلطان بن حيوس الشاعر المشهور، وحدث عن جده لأمه القاضي أبي نصر محمد بن هارون بن الجندي. ثم دخلت:

.سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة:

.ذكر استيلاء تكش على بعض خراسان وأخذها منه:

في هذه السنة، في شعبان، سار السلطان ملكشاه إلى الري، وعرض العسكر، فأسقط منهم سبعة آلاف رجل لم يرض حالهم، فمضوا إلى أخيه تكش، وهو ببوشنج، فقوي بهم، وأظهر العصيان على أخيه ملكشاه، واستولى على مرو الروذ، ومرو الشاهجان، وترمذ، وغيرها، وسار إلى نيسابور طامعاً في ملك خراسان.
وقيل إن نظام الملك قال للسلطان لما أمر بإسقاطهم: إن هؤلاء ليس فيهم كاتب، ولا تاجر، ولا خياط، ولا من له صنعة غير الجندية، فإذا أسقطوا لا نأمن أن يقيموا منهم رجلاً ويقولوا هذا السلطان، فيكون لنا منهم شغل، ويخرج عن أيدينا أضعاف ما لهم من الجاري إلى أن نظفر بهم. فلم يقبل السلطان قوله، فلما مضوا إلى أخيه وأظهر العصيان ندم على مخالفة وزيره حيث لم ينفع الندم.
واتصل خبره بالسلطان ملكشاه، فسار مجداً إلى خراسان، فوصل إلى نيسابور قبل أن يستولي تكش عليها، فلما سمع تكش بقربه منها سار عنها، وتحصن بترمذ، وقصده السلطان، فحصره بها، وكان تكش قد أسر جماعة من أصحاب السلطان، فأطلقهم، واستقر الصلح بينهما، ونزل تكش إلى أخيه السلطان ملكشاه، ونزل عن ترمذ.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة تسلم مؤيد الملك بن نظام الملك تكريت من صاحبها المهرباط.
وفيها توفي أبو علي بن شبل الشاعر المشهور، ومن شعره في الزهد:
أهم بترك الذنب ثم يردني ** طموح شباب بالغرام موكل

فمن لي إذا أخرت ذا اليوم توبة ** بأن المنايا لي إلى الشيب تمهل

أأعجز ضعفاً عن أدا حق خالقي، ** وأحمل وزراً فوق ما يتحمل

وفيها أيضاً توفي العميد أبو منصور بالبصرة.
وفيها توفي عبد السلام بن أحمد بن محمد أبو الفتح الصوفي من أهل فارس، سافر الكثير، وسمع الحديث بالعراق، والشام، ومصر، وأصبهان وغيرها، وكانت وفاته بفارس، ويوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن أبو الهيثم التفكري، الزنجاني، ولد سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، وسمع من أبي نعيم الحافظ وغيره، وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي وأدرك أبا الطيب الطبري، وكان من العلماء العاملين، المشتغلين بالعبادة. ثم دخلت:

.سنة أربع وسبعين وأربعمائة:

.ذكر خطبة الخليفة ابنة السلطان ملكشاه:

في هذه السنة أرسل الخليفة الوزير فخر الدولة أبا نصر بن جهير إلى السلطان يخطب ابنته لنفسه، فسار فخر الدولة إلى أصبهان، إلى السلطان يخطب ابنته، فأمر نظام الملك أن يمضي معه إلى خاتون زوجة السلطان في المعنى، فمضيا إليها فخاطباها، فقالت إن ملك غزنة وملوك الخانية بما وراء النهر طلبوها، وخطبوها لأولادهم، وبذولوا أربع مائة دينار، فإن حمل الخليفة هذا المال فهو أحق منهم. فعرفتها أرسلان خاتون التي كانت زوجت القائم بأمر الله ما يحصل لها من الشرف والفخر بالاتصال بالخليفة، وأن هؤلاء كلهم عبيده وخدمه، ومثل الخليفة لا يطلب منه المال، فأجابت إلى ذلك، وشرطت أن يكون الحمل المعجل خمسين ألف دينار، وأنه لا يبقي له سرية ولا زوجة غيرها، فأجيبت إلى ذلك، فأعطى السلطان يده، وعاد فخر الدولة إلى بغداد.

.ذكر وفاة نور الدولة بن مزيد وإمارة ولده منصور:

في هذه السنة، في شوال، توفي نور الدولة أبو الأغر دبيس بن علي بن مزيد الأسدي بمطيراباذ، وكان عمره ثمانين سنة، وإمارته سبعاً وخمسين سنة، وما زال ممدحاً في كل زمان مذكوراً بالتفضل والإحسان، ورثاه الشعراء فأكثروا، وولي بعده ما كان إليه ابنه أبو كامل منصور، ولقبه بهاء الدولة، فأحسن السيرة، واعتمد الجميل، وسار إلى السلطان ملكشاه في ذي القعدة، واستقر له الأمر، وعاد في صفر سنة خمس وسبعين وخلع الخليفة أيضاً عليه.

.ذكر محاصرة تميم بن المعز مدينة قابس:

في هذه السنة حصر الأمير تميم بن المعز بن باديس، صاحب إفريقية، مدينة قابس حصاراً شديداً، وضيق على أهلها، وعاث عساكره في بساتينها المعروفة بالغابة، فأفسدوها.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة سار تتش، بعد عود شرف الدولة عن دمشق، وقصد الساحل الشامي، فافتتح أنطرطوس، وبعضاً من الحصون، وعاد إلى دمشق.
وفيها ملك شرف الدولة، صاحب الموصل، مدينة حران، وأخذها من بني وثاب النميريين، وصالحه صاحب الرها، ونقش السكة باسمه.
وفيها سد ظفر القائمي بثق نهر عيسى، وكان خراباً منذ ثلاث وعشرين سنة، وسد مراراً، وتخرب إلى أن سده ظفر.
وفيها أرسل السلطان إلى بغداد ليخرج الوزير أبو شجاع الذي وزر للخليفة بعد بني جهير، فأرسله الخليفة إلى نظام الملك، وسير معه رسولاً، وكتب معه إلى نظام الملك كتاباً بخطه، يأمره بالرضا عن أبي شجاع، فرضي عنه وأعاده إلى بغداد.
وفيها مات ابن السلطان ملكشاه، واسمه داود، فجزع عليه جزعاً شديداً، وحزن حزناً عظيماً، ومنع من أخذه وغسله، حتى تغيرت رائحته، وأراد قتل نفسه مرات، فمنعه خواصه، ولما دفن لم يطق المقام، فخرج يتصيد، وأمر بالنياحة عليه في البلد، ففعل ذلك عدة أيام، وجلس له وزير الخليفة في العزاء ببغداد.
وفيها توفي عبد الله بن أحمد بن رضوان أبو القاسم، وهو من أعيان أهل بغداد، وكان مرضه شقيقة، وبقي ثلاث سنين في بيت مظلم لا يقدر يسمع صوتاً ولا يبصر ضوءاً.
وفيها، في ذي الحجة، توفي أبو محمد بن أبي عثمان المحدث، وكان صالحاً، يقريء القرآن بمسجده بنهر القلائين.
وتوفي علي بن أحمد بن علي بو القاسم البسري البندار، ومولده سنة ست وثمانين وثلاثمائة، سمع المخلص وغيره، وكان ثقة صالحاً.
وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن عقيل بن حبش القرشي، النحوي. ثم دخلت:

.سنة خمس وسبعين وأربعمائة:

.ذكر وفاة جمال الملك بن نظام الملك:

في هذه السنة، في رجب، توفي جمال الملك منصور بن نظام الملك، وورد الخبر بوفاته إلى بغداد في شعبان، فجلس أخوه مؤيد الملك للعزاء، وحضر فخر الدولة بن جهير، وابنه عميد الملك، معزيين، وأرسل الخليفة إليه في اليوم الثالث فأقامه من العزاء.
وكان سبب موته أن مسخرة كان للسلطان ملكشاه يعرف بجعفرك يحاكي نظام الملك، ويذكره في خلواته مع السلطان، فبلغ ذلك جمال الملك، وكان يتولى مدينة بلخ وأعمالها، فسار من وقته يطوي المراحل إلى والده والسلطان، وهما بأصبهان، فاستقبله أخواه، فخر الملك ومؤيد الملك، فأغلظ لهما القول في إغضائهما على ما بلغه عن جعفرك، فلما وصل إلى حضرة السلطان في هذا الجمع! فلما خرج من عند السلطان أمر بالقبض على جعفرك، وأمر بإخراج لسانه من قفاه وقطعه فمات.
ثم سار مع السلطان وأبيه إلى خراسان، وأقاموا بنيسابور مدة، ثم أرادوا العود إلى أصبهان، وتقدمهم نظام الملك، فأحضر السلطان عميد خراسان، وقال له: أيما أحب لك رأسك أم رأس جمال الملك؟ فقال: بل رأسي. فقال: لئن لم تعمل في قتله لأقتلنك. فاجتمع بخادم يختص بخدمة جمال الملك، وقال له سراً: الأولى أن تحفظوا نعمتكم، ومناصبكم، وتدبر في قتل جمال الملك، فإن الس يريد أن يأخذه ويقتله، ولأن تقتلوه أنتم سراً أصلح لكم من أن يقتله الس ظاهراً. فظن الخادم أن ذلك صحيح، فجعل له سماً في كوز فقاع، فطلب جمال الملك فقاعاً، فأعطاه الخادم ذلك الكوز، فشربه فمات، فلما علم الس بموته سار مجداً، حتى لحق نظام الملك، فأعلمه بموت ابنه، وعزاه، وقال: أنا ابنك، وأنت أولى من صبر واحتسب.

.ذكر الفتنة ببغداد بين الشافعية والحنابلة:

ورد إلى بغداد، هذه السنة، الشريف أبو القاسم البكري، المغربي، الواعظ، وكان أشعري المذهب، وكان قد قصد نظام الملك، فأحبه ومال إليه، وسيره إلى بغداد، وأجرى عليه الجراية الوافرة، فوعظ بالمدرسة النظامية، وكان يذكر الحنابلة ويعيبهم، ويقول: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا} والله ما كفر أحمد ولكن أصحابه كفروا.
ثم إنه قصد يوماً دار قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني بنهر القلائين، فجرى بين بعض أصحابه وبين قوم من الحنابلة مشاجرة أدت إلى الفتنة، وكثر جمعه، فكبس دور بني الفراء، وأخذ كتبهم، وأخذ منها كتاب الصفات لأبي يعلى، فكان يقرأ بين يديه وهو جالس على الكرسي للوعظ، فيشنع به عليهم، وجرى له معهم خصومات وفتن. ولقب البكري من الديوان بعلم السنة، ومات ببغداد، ودفن عند قبر أبي الحسن الأشعري.